فصل: (بَابُ الْقِسْمَةِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.فَصْلٌ: [لِلْمَغْصُوبِ أَخْذُ قَدْرِ مَالِهِ]:

(وَمَنْ غَصَبَهُ إنْسَانٌ مَالًا جَهْرًا أَوْ كَانَ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالِهِ)؛ أَيْ: عَيْنُ مَالِ غَيْرِهِ (فَلَهُ)؛ أَيْ: الْمَغْصُوبِ مَالُهُ جَهْرًا (أَخْذُ قَدْرِ مَالِهِ الْمَغْصُوبِ) مِنْ مَالِ غَاصِبٍ (جَهْرًا) ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ (وَلَهُ أَخْذُ عَيْنِ مَالِهِ) مِمَّنْ هِيَ عِنْدَهُ (وَلَوْ قَهْرًا) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ مَا لَمْ يُفْضِ إلَى فِتْنَةٍ (لَا أَخْذُ قَدْرِ دَيْنِهِ) الَّذِي لَهُ بِذِمَّةِ غَيْرِهِ (مِنْ مَالِ مَدِينٍ تَعَذَّرَ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْهُ بِحَاكِمٍ أَوْ بِحُجَّةٍ)؛ أَيْ: بَيِّنَةٍ (أَوْ غَيْرِهِ) كَسُكَّانِ بَوَادٍ يَتَعَذَّرُ إحْضَارُ الْخُصُومِ مِنْهَا نَصًّا؛ لِحَدِيثِ: «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَأَخْذُهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ حَقِّهِ بِلَا إذْنِهِ خِيَانَةٌ لَهُ. وَحَدِيثُ «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». وَلِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ دَيْنِهِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ بِغَيْرِ تَرَاضٍ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ جِنْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ تَعْيِينُ حَقِّهِ بِغَيْرِ رِضَى صَاحِبِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَا آخُذُ حَقِّي إلَّا مِنْ هَذَا الْكِيسِ دُونَ هَذَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ تَمَلُّكُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَيْنٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ إذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ، فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَدِينِ لَزِمَهُ رَدُّهُ إنْ بَقِيَ، وَبَدَلُهُ إنْ تَلِفَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ تَقَاصَّا. وَعَنْهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الدَّيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ مِنْ الْمَدِينِ بِالْحَاكِمِ لِجَحْدٍ أَوْ غَيْرِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ الْمَدِينُ مُعْسِرًا بِهِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا؛ الْأَخْذُ، فَيَأْخُذُ قَدْرَ حَقِّهِ مِنْ جِنْسِهِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا قَوَّمَهُ وَأَخَذَ بِقَدْرِهِ فِي الْبَاطِنِ مُتَحَرِّيًا لِلْعَدْلِ فِي ذَلِكَ؛ لِحَدِيثِ هِنْدَ، وَتَقَدَّمَ وَلِحَدِيثِ: «الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ بِنَفَقَتِهِ». وَالْأَوَّلُ الْمَذْهَبُ؛ لِأَنَّ حَدِيثَ هِنْدَ قَدْ أَشَارَ أَحْمَدُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ بِأَنَّ حَقَّهَا وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، بِخِلَافِ الْمُدِينِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى قَدَرَ الْمُدِينُ عَلَى اسْتِخْلَاصِ دَيْنِهِ بِالْحَاكِمِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ خِلَافٍ (إلَّا إذَا تَعَذَّرَ عَلَى ضَيْفٍ أَخْذُ حَقِّهِ بِحَاكِمٍ) فَيَأْخُذَهُ، وَتَقَدَّمَ بِدَلِيلِهِ فِي الْأَطْعِمَةِ (أَوْ مَنَعَ زَوْجٌ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ كَقَرِيبٍ أَوْ سَيِّدٍ) وَمُعْتَقٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَةُ قَرِيبِهِ وَمَوْلَاهُ (مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ) كَكِسْوَةٍ، فَلِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْأَخْذُ لِحَدِيثِ هِنْدَ (وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ)؛ أَيْ: الدَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِأَنْ كَانَ دَيْنُ أَحَدِهِمَا ذَهَبًا وَدَيْنُ الْآخَرِ فِضَّةً (فَجَحَدَ أَحَدُهُمَا) دَيْنَ صَاحِبِهِ (فَلَيْسَ لِلْآخَرِ أَنْ يَجْحَدَ) دَيْنَ الْجَاحِدِ (لِأَنَّهُ كَبَيْعِ دَيْنٍ بِدَيْنٍ) قَالَ فِي التَّرْغِيبِ لَا يَجُوزُ وَلَوْ رَضِيَا، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنَانِ مِنْ جِنْسٍ تَقَاصَّا بِشَرْطِهِ.

.بَابُ حُكْمِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي:

وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنِّي أُلْقِيَ إلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ} الْآيَةَ. وَكَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى قَيْصَرَ وَكِسْرَى وَمُلُوكِ الْأَطْرَافِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ، وَكَانَ يَكْتُبُ إلَى عُمَّالِهِ وَسُعَاتِهِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى قَبُولِهِ، فَإِنَّ مَنْ لَهُ حَقٌّ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ لَا يُمْكِنُهُ إثْبَاتُهُ وَالطَّلَبُ بِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بِالشُّهُودِ، وَرُبَّمَا كَانُوا غَيْرَ مَعْرُوفِينَ بِالْبَلَدِ الَّذِي يُسَافِرُونَ إلَيْهِ؛ فَيَتَعَذَّرُ إثْبَاتُ الْحَقِّ عِنْدَ حَاكِمِهِمْ؛ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ الْمُكَاتَبَةُ فِيهِ.
(يُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي (فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ) كَبَيْعٍ وَقَرْضٍ وَغَصْبٍ وَإِجَارَةٍ وَصُلْحٍ وَوَصِيَّةٍ بِمَالٍ وَرَهْنٍ وَجِنَايَةٍ تُوجِبُ مَالًا؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى مَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ كَقَوَدٍ وَقَذْفٍ وَطَلَاقٍ وَنَسَبٍ وَعِتْقٍ) وَنِكَاحٍ وَتَوْكِيلٍ وَإِيصَاءٍ فِي غَيْرِ مَالٍ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَا يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ، وَلَا يُقْبَلُ (فِي حَدِّ اللَّهِ) تَعَالَى (كَزِنًا وَشُرْبِ) مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى السَّتْرِ وَالدَّرْءِ بِالشُّبْهَةِ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ فِيهَا الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَكَذَا كِتَابُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا (وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ)؛ أَيْ: كَوْنِهِ يُقْبَلُ فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى (ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي) إلَى الْقَاضِي (حُكْمُهُ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةُ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ (وَذَكَرُوا)؛ أَيْ: الْأَصْحَابُ (فِيمَا إذَا تَغَيَّرَ) (حَالُهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ بِفِسْقٍ أَوْ نَحْوِهِ (أَنَّهُ أَصْلٌ) لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ (وَمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ فَرْعٌ لَهُ؛ فَلَا يَسُوغُ نَقْضُ حُكْمٍ مَكْتُوبٍ إلَيْهِ بِإِنْكَارِ) قَاضٍ (كَاتِبٍ كِتَابَهُ، وَلَا يَقْدَحُ إنْكَارُهُ فِي عَدَالَةِ بَيِّنَتِهِ) كَإِنْكَارِ شُهُودِ الْأَصْلِ بَعْدَ الْحُكْمِ (بَلْ يُمْنَعُ إنْكَارُهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ لِكِتَابَةِ (الْحُكْمِ) مِنْ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ إذَا أَنْكَرَهُ قَبْلَ حُكْمِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (كَمَا يَمْنَعُهُ)؛ أَيْ: الْحُكْمَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (رُجُوعُ شُهُودِ الْأَصْلِ) قَبْلَ الْحُكْمِ (فَدَلَّ) مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِيَ الْكَاتِبَ (فَرْعٌ لِمَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ، وَأَصْلٌ لِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ) وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا (أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شُهُودُ فَرْعٍ أَصْلًا لِفَرْعٍ آخَرَ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ).
(وَيُقْبَلُ) كِتَابُ الْقَاضِي (فِيمَا حَكَمَ بِهِ) الْكَاتِبُ (لِيُنَفِّذَهُ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (وَإِنْ كَانَا)؛ أَيْ: الْكَاتِبُ وَالْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (بِبَلَدٍ وَاحِدٍ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَجِبُ إمْضَاؤُهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ (فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ)؛ أَيْ: الْكَاتِبِ (لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ (إلَّا فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ) فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ نَقْلُ شَهَادَةٍ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ؛ فَلَمْ يَجُزْ مَعَ الْقُرْبِ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ (وَكَذَا لَوْ سَمِعَ) الْكَاتِبُ الْبَيِّنَةَ (وَجَعَلَ تَعْدِيلَهَا لِقَاضٍ آخَرَ) وَهُوَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ، فَيَجُوزُ ذَلِكَ مَعَ بُعْدٍ لِمَسَافَةٍ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الثُّبُوتَ لَيْسَ بِحُكْمٍ، بَلْ خَبَرٌ بِالثُّبُوتِ، كَشَهَادَةِ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ أَمْرٌ وَنَهْيٌ يَتَضَمَّنُ إلْزَامًا.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ وَيَجُوزُ نَقْلُهُ إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ، وَلَوْ كَانَ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ يُخَيَّرُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ عِنْدَهُ. قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الَّذِي اتَّصَلَ بِهِ ذَلِكَ الثُّبُوتُ الْحُكْمُ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى صِحَّتَهُ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ لَوْ أَثْبَتَ حَاكِمٌ مَالِكِيٌّ وَقْفًا لَا يَرَاهُ كَوَقْفِ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ فَإِنْ حَكَمَ لِلْخِلَافِ فِي الْعَمَلِ بِالْخَطِّ كَمَا هُوَ الْمُعْتَادُ؛ فَلِحَاكِمٍ حَنْبَلِيٍّ يَرَى صِحَّةَ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَهُ فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ، وَإِنْ لَمْ لَمْ يَحْكُمْ بَلْ قَالَ: ثَبَتَ هَذَا فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْمَالِكِيِّ حُكْمٌ، ثُمَّ إذَا رَأَى الْحَنْبَلِيُّ الثُّبُوتَ حُكْمًا نَفَّذَهُ، وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِي قُرْبِ الْمَسَافَةِ. قَالَ: وَلِلْحَاكِمِ الْحَنْبَلِيِّ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ مَعَ بُعْدِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَمَعَ قُرْبِهَا الْخِلَافُ. وَلَا يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي (فِي عَيْنٍ مُدَّعًى بِهَا بِبَلَدِ الْحَاكِمِ) بَلْ يُسَلِّمُهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ لِلْمُدَّعِي، وَلَا حَاجَةَ إلَى كِتَابٍ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَلَى الْغَائِبِ وَالْمُمْتَنِعِ، فَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ كَوَلِيِّ الصَّغِيرِ. (وَإِنْ كَانَ) الْمَحْكُومُ بِهِ (دَيْنًا أَوْ عَيْنًا بِبَلَدٍ آخَرَ) غَيْرِ بَلَدِ الْحَاكِمِ كَتَبَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَقِفُ عَلَى الْكِتَابِ لِيُسَلِّمَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْعَيْنَ لِرَبِّهَا، أَوْ يَأْمُرَ لِمَحْكُومٍ عَلَيْهِ بِوَفَاءِ الدَّيْنِ.
تَنْبِيهٌ:
هُنَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ مُتَدَاخِلَاتٍ مَسْأَلَةُ إحْضَارِ الْخَصْمِ إذَا كَانَ غَائِبًا بِعَمَلِ الْقَاضِي وَلَوْ بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ، وَمَسْأَلَةُ الْحُكْمِ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ أَوْ مُسْتَتِرًا وَلَوْ بِالْبَلَدِ، وَمَسْأَلَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا يَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهِيَ تَسْلِيمُهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَحْكُومُ بِهِ غَائِبًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَاتِبَ الْحَاكِمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ حَتَّى يَكُونَ الْحُكْمُ فِي بَلَدِ التَّسْلِيمِ لَكَانَ مُتَوَجِّهًا. (وَلَهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِي الْكَاتِبِ أَنْ يَكْتُبَ لِقَاضٍ (مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِهِ) كَأَنْ يُكَاتِبَ (إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ) الْكِتَابُ (مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ) وَحُكَّامِهِمْ بِلَا تَعْيِينٍ، وَيَلْزَمُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ كِتَابُ حَاكِمٍ مِنْ وِلَايَتِهِ وَصَلَ إلَى حَاكِمٍ؛ فَلَزِمَ قَبُولُهُ، كَمَا لَوْ كَانَ إلَيْهِ بِعَيْنِهِ. (وَيُشْتَرَطُ لِقَبُولِهِ)؛ أَيْ: كِتَابِ الْقَاضِي وَالْعَمَلِ بِهِ (أَنْ يَقْرَأَ الْكِتَابَ عَلَى عَدْلَيْنِ، وَيُعْتَبَرُ ضَبْطُهُمَا لِمَعْنَاهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ نَصًّا، لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (ثُمَّ يَقُولُ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِمَا (هَذَا كِتَابِي إلَى فُلَانِ) بْنِ فُلَانٍ (أَوْ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ الْقُضَاةِ، وَيَدْفَعُهُ إلَيْهِمَا)؛ أَيْ: الْعَدْلَيْنِ الْمَقْرُوءِ عَلَيْهِمَا (فَإِذَا وَصَلَا) بِالْكِتَابِ إلَى عَمَلِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (دَفَعَاهُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ، وَقَالَا نَشْهَدُ أَنَّهُ)؛ أَيْ: هَذَا الْكِتَابَ (كِتَابُ الْقَاضِي فُلَانٍ إلَيْك كَتَبَهُ بِعَمَلِهِ) وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وَتَعْيِينُ الْقَاضِي الْكَاتِبِ كَتَعْيِينِ شُهُودِ الْأَصْلِ؛ أَيْ: فَيُشْتَرَطُ (وَالِاحْتِيَاطُ) خَتْمُهُ بَعْدَ أَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِمَا صَوْنًا لِمَا فِيهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ) الْخَتْمُ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى شَهَادَتِهِمَا، لَا عَلَى الْخَتْمِ، «وَكَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِتَابًا إلَى قَيْصَرَ وَلَمْ يَخْتِمْهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَا يَقْبَلُ كِتَابًا غَيْرَ مَخْتُومٍ، فَاِتَّخَذَ الْخَاتَمَ» وَاقْتِصَارُهُ أَوَّلًا عَلَى الْكِتَابِ دُونَ الْخَتْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ، وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِيُقْرَأَ كِتَابُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُمَا)؛ أَيْ: الْعَدْلَيْنِ (وَقُرِئَ عَلَيْنَا وَأَشْهَدَنَا عَلَيْهِ) اعْتِمَادًا عَلَى الظَّاهِرِ (وَلَا قَوْلُ كَاتِبٍ اشْهَدْا عَلَيَّ) بِمَا فِيهِ كَسَائِرِ مَا يُتَحَمَّلُ بِهِ الشَّهَادَةُ (وَإِنْ أَشْهَدَهُمَا عَلَيْهِ) أَيْ: الْكِتَابِ (مَدْرُوجًا مَخْتُومًا لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بِالشَّهَادَاتِ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ كَإِثْبَاتِ الْعُقُودِ، وَلِأَنَّ الْخَطَّ يَشْتَبِهُ، وَكَذَا الْخَتْمُ، فَيُمْكِنُ التَّزْوِيرُ عَلَيْهِ. (وَكِتَابُهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِي (فِي غَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ كِتَابُهُ بَعْدَ عَزْلِهِ كَخَبَرِهِ) بِغَيْرِ عَمَلِهِ أَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ؛ أَيْ: فَيُقْبَلُ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَصِلَ الْكِتَابُ إلَى الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي مَوْضِعِ وِلَايَتِهِ، لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا يَسْمَعُهَا فِي غَيْرِهِ (وَإِنْ وَصَلَهُ الْكِتَابُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ وِلَايَتِهِ؛ لَمْ يَقْبَلْهُ حَتَّى يَصِلَ لِمَحِلِّهِ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ نُفُوذِ حُكْمِهِ (وَيُقْبَلُ كِتَابُهُ)؛ أَيْ: الْقَاضِي فِي حَيَوَانٍ بِالصِّفَةِ (اكْتِفَاءً بِهَا)؛ أَيْ: الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ بِعَقْدِ السَّلَمِ كَالدَّيْنِ (كَمَشْهُودٍ عَلَيْهِ) بِالصِّفَةِ فَيُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مَجِيءُ إنْسَانٍ فِي صِفَتِهِ فَيَقُولُ أَنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَلَا تَكْفِي الصِّفَةُ فِي الْمَشْهُودِ (لَهُ) بِأَنْ يَقُولَا نَشْهَدُ لِشَخْصٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا؛ لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ دَعْوَاهُ (فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُشَارَكَتُهُ لَهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ (فِي صِفَتِهِ) بِأَنْ زَالَ اللَّبْسُ بِعَدَمِ مَا يُشَارِكُهُ فِي صِفَتِهِ (أَخَذَهُ مُدَّعِيهِ) الْمَشْهُودُ لَهُ بِكَفِيلٍ (مَخْتُومًا عُنُقُهُ)؛ أَيْ: الْعَبْدِ وَالْحَيَوَانِ الْمَشْهُودِ فِيهِ بِالصِّفَةِ، بِأَنْ يَجْعَلَ فِي عُنُقِهِ نَحْوَ خَيْطٍ، وَيَخْتِمَ عَلَيْهِ بِنَحْوِ شَمْعٍ (فَيَأْتِي بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ لِتَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ) لِزَوَالِ الْإِشْكَالِ (وَيَقْضِي لَهُ بِهِ، وَيَكْتُبُ لَهُ كِتَابًا) آخَرَ؛ أَيْ: إلَى الْقَاضِي الَّذِي سَلَّمَهُ لَهُ بِكَفِيلٍ (لِيَبْرَأَ كَفِيلُهُ) مِنْ الطَّلَبِ بِهِ بَعْدُ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ) بِأَنْ قَالَ الشُّهُودُ: إنَّهُ لَيْسَ الْمَشْهُودَ بِهِ فَهُوَ فِي يَدِهِ (كَمَغْصُوبٍ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ وَمُؤْنَتُهُ وَنَقْصُهُ وَأُجْرَتُهُ مُنْذُ تَسَلُّمِهِ إلَى رَدِّهِ لِرَبِّهِ) لِوَضْعِهِ يَدَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. (وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ) بِأَنْ قَالَا نَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا أَنَّهُ اقْتَرَضَ مِنْ هَذَا كَذَا (حَتَّى يُسَمَّى وَيُنْسَبَ) وَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِ الْجَدِّ إنْ عُرِفَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ (أَوْ) حَتَّى (تَشْهَدَ الْبَيِّنَةُ عَلَى عَيْنِهِ) لِيَزُولَ اللَّبْسُ (وَإِذَا وَصَلَ الْكِتَابُ إلَى الْقَاضِي) الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (وَأَحْضَرَ الْخَصْمَ الْمَذْكُورَ فِيهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَحِلْيَتِهِ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِالْمَذْكُورِ) فِي الْكِتَابِ (قُبِلَ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ (فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ) بِنُكُولِهِ (وَإِنْ أَقَرَّ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ أَوْ ثَبَتَ اسْمُهُ) وَنَسَبُهُ (بِبَيِّنَةٍ فَقَالَ: الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ غَيْرِي لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ بِالْبَلَدِ) شَخْصًا (آخَرَ كَذَلِكَ)؛ أَيْ: يُسَاوِيهِ فِي اسْمِهِ وَنَسَبِهِ، (وَلَوْ) كَانَ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الِاسْمِ وَالنَّسَبِ (مَيِّتًا يَقَعُ بِهِ إشْكَالٌ، فَيَتَوَقَّفُ) الْحُكْمُ (حَتَّى يُعْلَمَ الْخَصْمُ مِنْهُمَا)، فَيُحْضِرَ الْقَاضِي الْمُسَاوِيَ لَهُ إنْ أَمْكَنَ وَيَسْأَلُهُ فَإِنْ اعْتَرَفَ بِالْحَقِّ أَلْزَمَهُ وَتَخَلَّصَ الْأَوَّلُ، وَإِنْ أَنْكَرَ وَقَفَ الْحُكْمَ، وَيَكْتُبُ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ يُعْلِمُهُ بِمَا حَصَلَ مِنْ اللَّبْسِ حَتَّى يُرْسِلَ الشَّاهِدَيْنِ، فَيَشْهَدَا عِنْدَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ فَيَلْزَمَهُ الْحَقُّ، وَإِنَّ الْمَيِّتَ لَا يَقَعُ بِهِ اللَّبْسُ؛ فَلَا أَثَرَ. (وَإِنْ مَاتَ الْقَاضِي الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ لَمْ يَضُرَّ)؛ أَيْ: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ قَبُولَ كِتَابِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ (ك) مَوْتِ (بَيِّنَةٍ أَصْلٍ) فَيُحْكَمُ بِشُهُودِ الْفَرْعِ. (وَإِنْ فَسَقَ) الْقَاضِي الْكَاتِبُ (قَبْلَ حُكْمٍ لَا بَعْدَهُ)؛ أَيْ: الْحُكْمِ (قَدَحَ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ) الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ؛ فَلَا يَحْكُمُ بِهِ لِأَنَّ الْكَاتِبَ أَصْلٌ، وَبَقَاءُ عَدَالَةِ الْأَصْلِ شَرْطٌ فِي الْحُكْمِ بِشَاهِدَيْ الْفَرْعِ (خَاصَّةً) أَيْ: دُونَ مَا حَكَمَ بِهِ الْكَاتِبُ وَكَتَبَ بِهِ؛ فَلَا يَقْدَحُ فِسْقُهُ فِيهِ؛ فَلِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ لَا يُنْقَضُ بِفِسْقِهِ (وَعَلَى مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ الْكِتَابُ مِمَّنْ قَامَ مَقَامَهُ الْعَمَلُ بِهِ)؛ أَيْ: الْكِتَابِ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ الْكِتَابُ بِمَوْتٍ أَوْ عَزْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ لَا (اكْتِفَاءً بِالْبَيِّنَةِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ ضَاعَ) الْكِتَابُ (أَوْ انْمَحَى) وَشَهِدَ الشَّاهِدَانِ بِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِهِمَا، وَقِيَاسُهُ لَوْ حَمَلَ الشَّاهِدَانِ إلَى غَيْرِ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ حَالَ حَيَاتِهِ، وَشَهِدَا عِنْدَهُ عَمِلَ بِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ خَلِيفَةَ الْكَاتِبِ، فَمَاتَ الْكَاتِبُ أَوْ عُزِلَ؛ انْعَزَلَ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ؛ فَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَعَزْلِهِ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ. (وَلَوْ شَهِدَا)؛ أَيْ: حَامِلَا الْكِتَابِ عِنْدَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ (بِخِلَافِ مَا فِيهِ) أَيْ: الْكِتَابِ (قَبِلَ) مَا شَهِدَا بِهِ (اعْتِمَادًا عَلَى الْعِلْمِ) بِمَا أَشْهَدَهُمَا بِهِ الْقَاضِي الْكَاتِبُ عَلَى نَفْسِهِ (وَمَتَى قَدِمَ الْخَصْمُ الْمُثْبَتُ عَلَيْهِ) الْحَقُّ عِنْدَ الْكَاتِبِ قَبْلَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ (بَلَدَ الْكَاتِبِ؛ فَلَهُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْخَصْمِ بِالْحَقِّ (بِلَا إعَادَةِ شَهَادَةٍ) عَلَيْهِ إذَا سَأَلَهُ رَبُّ الْحَقِّ ذَلِكَ؛ لِسَبْقِ الشَّهَادَةِ.

.فَصْلٌ: [فيما إِذَا حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ]:

(وَإِذَا) حَكَمَ عَلَيْهِ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكَاتِبِ مِنْ الْحَقِّ (فَسَأَلَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا جَرَى) عِنْدَهُ مِنْ حُكْمِهِ عَلَيْهِ (لِئَلَّا يَحْكُمَ عَلَيْهِ) الْقَاضِي (الْكَاتِبُ) ثَانِيًا أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ دَفْعًا لِضَرَرِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا لَقِيَهُ الْخَصْمُ فِي بَلَدِ الْكَاتِبِ، فَطَالَبَهُ بِالْحَقِّ مَرَّةً أُخْرَى (أَوْ سَأَلَ مَنْ ثَبَتَتْ بَرَاءَتُهُ) عِنْدَ الْحَاكِمِ (كَمُنْكِرٍ حَلَفَ بِهِ، أَوْ) سَأَلَهُ (مَنْ ثَبَتَ حَقُّهُ عِنْدَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمِ، (أَنْ يَشْهَدَ لَهُ) عَلَيْهِ (بِمَا جَرَى مِنْ بَرَاءَةٍ أَوْ ثُبُوتِ مُجَرَّدٍ عِنْدَهُ، أَوْ) ثُبُوتِ (مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ) أَوْ ثُبُوتِ مُتَّصِلٍ بِحُكْمٍ (وَتَنْفِيذٍ، أَوْ) سَأَلَهُ الْحُكْمَ لَهُ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ (أَجَابَهُ) سَوَاءٌ ثَبَتَ حَقُّهُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ؛ لِاحْتِمَالِ طُولِ الزَّمَانِ عَلَى الْحَقِّ، فَإِذَا أَرَادَ بِهِ الْمُطَالَبَةَ بِهِ لَمْ تَكُنْ بِيَدِهِ حُجَّةٌ، وَرُبَّمَا نَسِيَ الْقَاضِي أَوْ مَاتَ، أَوْ يُطَالِبُهُ الْغَرِيمُ فِي صُورَةِ الْبَرَاءَةِ مَرَّةً أُخْرَى عِنْدَهُ إذَا نَسِيَ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ (وَإِنْ سَأَلَهُ)؛ أَيْ: سَأَلَ الْخَصْمُ الْحَاكِمَ (مَعَ الْإِشْهَادِ) بِمَا جَرَى مِمَّا تَقَدَّمَ (كِتَابَتَهُ)؛ أَيْ: الْوَاقِعِ (وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ) أَوْ كَانَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَرَقٌ مُعَدٌّ لِذَلِكَ (لَزِمَهُ) إجَابَتُهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ كَكِتَابِ (سَاعٍ بِأَخْذِ زَكَاةٍ) لِئَلَّا يُطَالِبَهُ بِهَا سَاعٍ آخَرُ، وَكَذَا مُعَشِّرُ أَمْوَالِ تُجَّارِ حَرْبٍ وَذِمَّةٍ؛ وَلَا يَلْزَمُ مَنْ لَهُ الْحَقُّ دَفْعُ وَثِيقَةٍ بِهِ إذَا اسْتَوْفَاهُ، بَلْ الْإِشْهَادُ بِاسْتِيفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَ مُسْتَحَقًّا فَيَحْتَاجُ إلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ، وَكَذَا بَائِعُ عَقَارٍ لَا يَلْزَمُ تَسْلِيمُ كِتَابِ ابْتِيَاعِهِ إلَى الْمُشْتَرَى مِنْهُ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حُجَّةٌ لَهُ عِنْدَ الدَّرَكِ، ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِب. (وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ يُسَمَّى حُجَّةً) وَالسِّجِلُّ لُغَةُ الْكُتَّابِ، وَلِأَنَّ الدَّفْتَرَ تُنَزَّلُ فِيهِ الْوَقَائِعُ وَالْوَثَائِقُ (وَغَيْرُهُ)؛ أَيْ: غَيْرُ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِبَيِّنَةٍ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ بِإِقْرَارٍ أَوْ نُكُولٍ يُسَمَّى (مَحْضَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الصَّكِّ سُمِّيَ مَحْضَرًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ حُضُورِ الْخَصْمَيْنِ وَالشُّهُودِ (وَالْمَحْضَرُ شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمِ (لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ) وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ اصْطِلَاحِيَّةٌ، وَأَمَّا السِّجِلُّ فَأَصْلُهُ الصَّحِيفَةُ الْمَكْتُوبَةُ.
قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ: السِّجِلُّ الْكِتَابُ. إلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمَ اصْطِلَاحًا (وَالْأَوْلَى جَعْلُ السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ نُسْخَةً يَدْفَعُهَا) الْحَاكِم (إلَيْهِ)؛ أَيْ: الطَّالِبِ لَهَا، لِتَكُونَ وَثِيقَةً بِحَقِّهِ، (وَالنُّسْخَةُ الْأُخْرَى تُجْعَلُ عِنْدَهُ)؛ أَيْ: الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ إلَيْهَا عِنْدَ ضَيَاعِ مَا بِيَدِ الْخَصْمِ أَوْ الِاخْتِلَافِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ. فِي زَمَنِنَا تُنَزَّلُ الْوَثَائِقُ بِكِتَابٍ يَجْمَعُهَا مُدَّةً ثُمَّ مُدَّةً بِحَسَبِ مَا يَتَّسِعُ لَهَا وَفِيهِ مِنْ الْحِفْظِ مَا لَا يَخْفَى، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا تَقَدَّمَ أَيْضًا. (وَصِفَةُ الْمَحْضَرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حَضَرَ الْقَاضِيَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ اهْتِمَامًا وَتَعْظِيمًا (فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ (قَاضِيَ عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ) عَلَى مَدِينَةِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ الْقَاضِي نَائِبًا كَتَبَ خَلِيفَةَ الْقَاضِي فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَاضِي عَبْدِ اللَّهِ الْإِمَامِ عَلَى كَذَا (فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ وَقَضَائِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا مُدَّعٍ) هُوَ فَاعِلُ حَضَرَ (عِنْدَهُ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يُمَيِّزُهُ (وَأَحْضَرَ مَعَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ ذَكَرَ أَنَّهُ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ) وَيَذْكُرُ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا (وَلَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْحَدِّ بِلَا حَاجَةٍ) إلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ (وَالْأَوْلَى ذِكْرُ حِلْيَتِهِمَا)؛ أَيْ: الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ جَهِلَهُمَا) فَيُكْتَبُ أَبْيَضُ أَوْ أَسْوَدُ، أَوْ أَنْزَعُ أَوْ أَغَمُّ أَوْ أَشْهَلُ أَوْ أَكْحَلُ، أَوْ أَقْنَى الْأَنْفِ أَوْ أَفْطَسُ، دَقِيقُ الشَّفَتَيْنِ أَوْ غَلِيظُهُمَا، طَوِيلٌ أَوْ قَصِيرٌ أَوْ رَبْعَةٌ وَنَحْوُ هَذَا التَّمْيِيزِ، وَلَا يَقَعُ اسْمٌ عَلَى اسْمٍ احْتِيَاطًا خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَكَثْرَةِ الْحِيَلِ وَالتَّوَسُّلِ إلَى الْبَاطِلِ فَإِنْ لَمْ يَجْهَلْهُمَا الْقَاضِي كَتَبَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَنَسَبَهُمَا، وَإِنْ جَهِلَ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَتَبَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَا يُنَاسِبُهُ (فَادَّعَى عَلَيْهِ بِكَذَا فَأَقَرَّ لَهُ أَوْ فَأَنْكَرَ، فَقَالَ) الْقَاضِي (لِلْمُدَّعِي: أَلَك بَيِّنَةٌ قَالَ: نَعَمْ فَسَأُحْضِرُهَا وَسَأَلَهُ)؛ أَيْ: سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَاكِمُ (سَمَاعَهَا فَفَعَلَ أَوْ فَأَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (وَلَا بَيِّنَةَ) لِلْمُدَّعِي (وَسَأَلَ) الْمُدَّعِي (تَحْلِيفَهُ، فَحَلَّفَهُ، وَإِنْ نَكَلَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ عَنْ الْجَوَابِ (ذَكَّرَهُ، وَأَنَّهُ حَكَمَ بِنُكُولِهِ وَسَأَلَهُ) الْمُدَّعِي (كِتَابَةَ مَحْضَرٍ) بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا (فَأَجَابَهُ) الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ، وَجَرَى ذَلِكَ (فِي يَوْمِ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، وَيُعْلِمُ) الْقَاضِي (فِي الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ وَالْإِحْلَافِ) عَلَى رَأْسِ الْمَحْضَرِ (جَرَى الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُعْلِمُ فِي شَهَادَةِ الْبَيِّنَةِ شَهِدَا عِنْدِي بِذَلِكَ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَتَضَمَّنُ كُلَّ مَا هُوَ مِنْ مُقَدَّمَاتِهَا مِنْ الدَّعْوَى وَالْجَوَابِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ يُقَالُ عَادَةُ بَلَدِهِ أَوْلَى لِسُهُولَةِ فَهْمِ مَعْنَاهَا (وَإِنْ ثَبَتَ الْحَقُّ بِإِقْرَارِ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (لَمْ يَحْتَجْ) أَنْ يُقَالَ (أَقَرَّ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ) لِأَنَّ الِاعْتِرَافَ يَصِحُّ مِنْهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، وَإِنْ كَتَبَ وَإِنَّهُ شَهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ شَاهِدَانِ كَانَ آكَدَ. (وَأَمَّا السِّجِلُّ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْجِيمِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ الْكِتَابُ الْكَبِيرُ (فَهُوَ لِإِنْفَاذِ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ) هَذَا بَيَانُ مَعْنَاهُ (وَصِفَتُهُ) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (هَذَا مَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ كَمَا تَقَدَّمَ) أَوَّلَ الْمَحْضَرِ (مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ. أَشْهَدَهُمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَقَدْ عَرَفَهُمَا بِمَا رَأَى مَعَهُ قَبُولَ شَهَادَتِهِمَا بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ، وَيَذْكُرُهُمَا إنْ كَانَا مَعْرُوفَيْنِ، وَإِلَّا قَالَ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ جَازَ حُضُورُهُمَا وَسَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ) مَعْرِفَةُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُ ثَبَتَ عِنْدَهُ (وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ أَصْلٌ (وَإِقْرَارُهُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ فُلَانٍ وَالتَّقْدِيرُ ثَبَتَ عِنْدَهُ مَعْرِفَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَإِقْرَارُهُ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ؛ أَيْ: وَيَذْكُرُ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ وَإِقْرَارَهُ (طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازِ أَمْرٍ) لِيَخْرُجَ الْمُكْرَهُ وَنَحْوُهُ (بِجَمِيعِ مَا سُمِّيَ وَوُصِفَ بِهِ فِي كِتَابٍ نُسْخَتُهُ كَذَا، وَيَنْسَخُ الْكِتَابَ الْمُثْبَتَ وَالْمَحْضَرَ جَمِيعَهُ حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ نُسْخَةٍ قَالَ: وَإِنَّ الْقَاضِيَ أَمْضَاهُ وَحَكَمَ بِهِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي مِثْلِهِ بَعْدَ أَنْ سَأَلَهُ ذَلِكَ وَسَأَلَ الْإِشْهَادَ بِهِ الْخَصْمُ الْمُدَّعِي، وَيَنْسِبُهُ وَلَمْ يَدْفَعْهُ خَصْمُهُ) الْحَاضِرُ مَعَهُ (بِحُجَّةٍ وَجَعَلَ) الْقَاضِي (كُلَّ ذِي حُجَّةٍ) فِي ذَلِكَ (عَلَى حُجَّتِهِ، وَأَشْهَدَ الْقَاضِي فُلَانٌ عَلَى إنْفَاذِهِ وَحُكْمِهِ وَإِمْضَائِهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْ الشُّهُودِ فِي مَجْلِسٍ فِي الْيَوْمِ الْمُؤَرَّخِ أَعْلَاهُ، وَأَمَرَ بِكَتْبِ هَذَا السِّجِلِّ نُسْخَتَيْنِ مُتَسَاوِيَتَيْنِ) لِأَنَّهُمَا الَّتِي تَقُومُ إحْدَاهُمَا مَقَامَ الْأُخْرَى (نُسْخَةً) مِنْهُمَا تَخْلُدُ (بِدِيوَانِ الْحُكْمِ، وَنُسْخَةً يَأْخُذُهَا مَنْ كَتَبَهَا لَهُ) لِتَكُونَ كُلٌّ مِنْ النُّسْخَتَيْنِ، وَثِيقَةً بِمَا أَنْفَذَهُ، وَيَكْتُبُ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا نُسْخَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا كُلُّهُ اصْطِلَاحُ نُسَخٍ (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ) فِي السِّجِلِّ (بِمَحْضَرٍ مِنْ الْخَصْمَيْنِ جَازَ ذَلِكَ؛ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) شَرْطُهُ (وَيَضُمُّ) الْقَاضِي وَالشَّاهِدُ (مَا اجْتَمَعَ مِنْ مَحْضَرٍ وَسِجِلٍّ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ)؛ أَيْ: الْمُجْتَمِعِ (مَحَاضِرُ كَذَا مِنْ وَقْتِ كَذَا) لِسُهُولَةِ الْكَشْفِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ. وَصِفَةُ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَبَبُ هَذِهِ الْمُكَاتَبَةِ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَ مَنْ تَصِلُ إلَيْهِ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَحُكَّامِهِمْ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدِي فِي مَجْلِسِ حُكْمِي وَقَضَائِي الَّذِي أَتَوَلَّاهُ فِي مَكَانِ كَذَا، وَإِنْ كَانَ نَائِبًا ذَكَرَ الَّذِي أُنِيبَ فِيهِ عَنْ الْقَاضِي فُلَانٍ بِمَحْضَرٍ مِنْ خَصْمَيْنِ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ جَازَ اسْتِمَاعُ الدَّعْوَى مِنْهُمَا، وَقَبُولُ الْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ بِشَهَادَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهُمَا مِنْ الشُّهُودِ الْمُعَدَّلِينَ عِنْدِي، عَرَفْتُهُمَا وَقَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا بِمَا رَأَيْتُ مَعَهُ قَبُولَهَا مَعْرِفَةَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ بِعَيْنِهِ وَنَسَبِهِ وَاسْمِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ أَسْرِ أَسِيرٍ قَالَ: وَإِنَّ الْفِرِنْجَ خَذَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَسَرُوهُ مِنْ مَكَانِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا، وَحَمَلُوهُ إلَى مَكَان فِي كَذَا، وَهُوَ مُقِيمٌ تَحْتَ حَوْطَتِهِمْ، وَأَنَّهُ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الدُّنْيَا لَا يَقْدِرُ عَلَى فِكَاكِ نَفْسِهِ، وَلَا عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُتَّصِلِ أَوَّلُهُ بِآخِرِ كِتَابِي الْمُؤَرَّخِ بِكَذَا، وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ دَيْنٍ قَالَ وَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ فِي ذِمَّةِ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ الْفُلَانِيِّ وَيَرْفَعُ فِي نَسَبِهِ وَيَضَعُهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ مِنْ الْمَدِينِ كَذَا وَكَذَا دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ حَالًّا، وَحَقًّا وَاجِبًا لَازِمًا، وَأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ وَاسْتِيفَاءَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ فِي إثْبَاتِ عَيْنٍ كَتَبَ وَأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَا فِي يَدِ فُلَانٍ مِنْ الشَّيْءِ الْفُلَانِيِّ، وَيَصِفُهُ بِصِفَةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا مُسْتَحَقٌّ لِأَخْذِهِ وَتَسْلِيمٍ عَلَى مَا يَقْتَضِيه كِتَابُ الْمَحْضَرِ الْمُتَّصِلِ بِآخِرِ كِتَابِي هَذَا الْمُؤَرَّخِ بِتَارِيخِ كَذَا، وَقَالَ الشَّاهِدَانِ الْمَذْكُورَانِ إنَّهُمَا عَالِمَانِ بِمَا شَهِدَا بِهِ وَلَهُ مُحَقِّقَانِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَعْلَمَانِ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ إلَى حِينِ أَقَامَا الشَّهَادَةَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، فَأَمْضَيْتُ مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْتُ بِمُوجَبِهِ بِسُؤَالِ مَنْ جَازَ مَسْأَلَتُهُ، أَوْ سَأَلَنِي مَنْ جَازَ سُؤَالُهُ، وَشَرَعَتْ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ إجَابَتَهُ الْمُكَاتَبَةَ إلَى الْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ، فَأَجَبْتُهُ إلَى مَا الْتَمَسَهُ لِجَوَازِهِ شَرْعًا، وَتَقَدَّمْتُ بِهَذَا فَكَتَبَ وَبِإِلْصَاقِهِ الْمَحْضَرَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فَأُلْصِقَ، فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ، وَتَأَمَّلَ مَا ذَكَرْتُهُ؛ وَتَصَفَّحَ مَا سَطَرْتُهُ، وَاعْتَمَدَ فِي إنْفَاذِهِ وَالْعَمَلِ بِمُوجِبِهِ مَا يُوجِبُهُ الشَّرْعُ الْمُطَهَّرُ؛ أَحْرَزَ مِنْ الْأَجْرِ أَجْزَلَهُ، وَكَتَبَ مِنْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ الْمَحْرُوسِ مِنْ مَكَانِ كَذَا فِي وَقْتِ كَذَا. وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْقَاضِي اسْمَهُ فِي الْعِنْوَانِ وَلَا ذِكْرَ الْمَكْتُوبِ إلَيْهِ فِي بَاطِنِهِ؛ لِأَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى شَهَادَةِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى الْحَاكِمِ الْكَاتِبِ بِالْحُكْمِ، وَذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَلَوْ ضَاعَ الْكِتَابُ وَانْمَحَى سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمَا، وَحُكِمَ بِهَا.

.(بَابُ الْقِسْمَةِ):

بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُ مَصْدَرِ قَسَمَ يَقْسِمُ قِسْمًا، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْقِسْمُ مَصْدَرُ قَسَمْتُ الشَّيْءَ فَانْقَسَمَ، وَقَاسَمَهُ الْمَالَ وَتَقَاسَمَاهُ وَقَسَمَاهُ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: تَعْدِيلٌ وَرَدٌّ وَإِفْرَازٌ. فَقِسْمَةُ التَّعْدِيلِ هِيَ أَنْ يَحْضُرَ مُقَوِّمَانِ يُقَوِّمَانِ الْأَعْيَانَ كُلَّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَيَدْفَعُ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَعْيَانًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْقِيمَةِ. وَقِسْمَةُ الرَّدِّ هِيَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَبْدَانِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا سِتُّمِائَةٍ وَالْآخَرِ سَبْعُمِائَةٍ فَيَرُدُّ خَمْسِينَ. وَقِسْمَةُ الْإِفْرَازِ مَا أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ (تَمْيِيزُ بَعْضِ الْأَنْصِبَاءِ عَنْ بَعْضٍ، وَإِفْرَازُهَا مِنْهَا) وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الْآيَةُ. وَقَوْلِهِ: {وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ} وَحَدِيثِ: «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ». «وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْسِمُ الْغَنَائِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ، وَقَسَّمَ خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا»، وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إلَى ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ مِنْ التَّصَرُّفِ عَلَى حَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَيَتَخَلَّصَ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ وَكَثْرَةِ الْأَيْدِي، وَذُكِرَتْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّ مِنْهَا مَا يَقَعُ بِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ، وَيُقَاسِمُ بِنَصِيبِهِ. (وَهِيَ)؛ أَيْ: الْقِسْمَةُ (نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا قِسْمَةُ تَرَاضٍ) بِأَنْ يَتَّفِقَ عَلَيْهِ جَمِيعُ الشُّرَكَاءِ (وَهِيَ مَا لَا يَنْقَسِمُ إلَّا بِضَرَرٍ كَنَقْصِ الْقِيمَةِ بِهَا)؛ أَيْ: الْقِسْمَةِ (أَوْ رَدِّ عِوَضٍ) مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ (كَحَمَّامٍ وَدُورٍ صِغَارٍ وَشَجَرٍ مُفْرَدٍ وَأَرْضٍ بِبَعْضِهَا بِئْرٌ أَوْ بِنَاءٌ أَوْ مَعْدِنٌ وَلَا تَتَعَدَّلُ)؛ أَيْ: بِجَعْلِهَا (أَجْزَاءَ وَلَا قِيمَةً فَتَحْرُمُ إلَّا بِرِضَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ أَوْ رِضَى وَلِيِّ) غَيْرِ مُكَلَّفٍ؛ لِأَنَّ فِيهِ إمَّا ضَرَرٌ أَوْ رَدُّ عِوَضٍ، وَكِلَاهُمَا لَا يُجْبَرُ الْإِنْسَانُ عَلَيْهِ. (وَحُكْمُهَا) أَيْ: الْقِسْمَةِ (كَبَيْعٍ يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِيهِ)؛ أَيْ: الْبَيْعِ (مِنْ رَدٍّ بِعَيْبٍ وَخِيَارِ مَجْلِسٍ وَخِيَارِ شَرْطٍ وَغَبْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ) مِنْ أَنْوَاعِ الْخِيَارِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ بَيْعًا لِبَذْلِ صَاحِبِهِ إيَّاهُ عِوَضًا عَمَّا حَصَلَ لَهُ مِنْ حَقِّ شَرِيكِهِ، وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ.
قَالَ الْمَجْدُ: الَّذِي تَحَرَّرَ عِنْدِي فِي مَا فِيهِ رَدٌّ أَنَّهُ بَيْعٌ فِيمَا يُقَابِلُ الرَّدَّ، وَإِفْرَازٌ فِي الْبَاقِي انْتَهَى.
فَلَا يَفْعَلُهَا الْوَلِيُّ إلَّا إنْ رَآهَا مَصْلَحَةً، وَإِلَّا فَلَا كَبَيْعِ عَقَارِ مُوَلِّيهِ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ بِنَاءٌ أَعْلَى وَبِنَاءٌ أَدْنَى (فَقَالَ أَحَدُهُمَا أَنَا آخُذُ الْأَدْنَى)؛ أَيْ: الْأَسْفَلَ (وَيَبْقَى لِي فِي الْأَعْلَى تَتِمَّةُ حِصَّتِي؛ فَلَا إجْبَارَ) لِشَرِيكِهِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ حَقِّ شَرِيكِهِ مِنْ الْأَدْنَى بِغَيْرِ رِضَاهُ. (وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِيهَا)؛ أَيْ: قِسْمَةِ التَّرَاضِي (إلَى بَيْعٍ أُجْبِرَ) عَلَى الْبَيْعِ مَعَهُ (فَإِنْ أَبَى)؛ أَيْ: امْتَنَعَ شَرِيكُهُ مِنْ بَيْعٍ مَعَهُ (بِيعَ)؛ أَيْ: بَاعَهُ حَاكِمٌ (عَلَيْهِمَا، وَقَسَمَ الثَّمَنَ) بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا نَصًّا. (وَكَذَا لَوْ طَلَبَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (الْإِجَارَةُ)؛ أَيْ: أَنْ يُؤَجِّرَ شَرِيكُهُ مَعَهُ فِي قِسْمَةِ التَّرَاضِي؛ فَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ، وَلَوْ شَرِيكًا فِي وَقْفٍ، فَإِنْ أَبَى أَجَّرَهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِمَا، وَقَسَمَ الْأُجْرَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا، وَالضَّرَرُ الْمَانِعُ مِنْ قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ نَقْصُ الْقِيمَةِ بِهَا سَوَاءٌ انْتَفَعُوا بِهِ مَقْسُومًا أَوْ لَا إذْ نَقْصُ قِيمَتِهِ ضَرَرٌ، وَهُوَ مُنْتَفٍ شَرْعًا (وَإِنْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (بِالضَّرَرِ كَرَبِّ ثُلُثٍ مَعَ رَبِّ ثُلُثَيْنِ) وَتَضَرَّرَ بِهَا رَبُّ الثُّلُثِ وَحْدَهُ، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، فَلَا إجْبَارَ، كَمَا لَوْ تَضَرَّرَا وَلَوْ طَلَبَهَا الْمُتَضَرِّرُ- لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَلِأَنَّ طَلَبَهَا مِنْ الْمُتَضَرِّرِ سَفَهٌ؛ فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهِ. (وَمَا تَلَاصَقَ مِنْ دُورٍ) مُشْتَرَكَةٍ وَعَضَائِدَ (جَمْعُ عِضَادَةٍ)، وَهِيَ: مَا يُصْنَعُ لِجَرَيَانِ الْمَاءِ فِيهِ مِنْ السَّوَّاقِي ذَوَاتِ الْكَتِفَيْنِ، وَمِنْهُ عِضَادَتَا الْبَابِ، وَهُمَا جَنْبَاهُ مِنْ جَنْبِهِ. قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ وَفِي الْإِقْنَاعِ هِيَ الدَّكَاكِينُ اللِّطَافُ الضَّيِّقَةُ (وَأَقْرِحَةٍ وَهِيَ الْأَرَاضِي الَّتِي لَا مَاءَ فِيهَا وَلَا شَجَرَ، فَكَمُتَفَرِّقٍ، فَيُعْتَبَرُ الضَّرَرُ وَعَدَمُهُ فِي كُلِّ عَيْنٍ مِنْهُ عَلَى انْفِرَادِهَا) لِأَنَّهَا أَعْيَانٌ، كُلُّ عَيْنٍ مِنْهَا تَخْتَصُّ بِاسْمٍ وَصُورَةٍ، وَلَوْ أُبِيعَتْ إحْدَاهَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِمَالِكِ الْأُخْرَى. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا نَحْوُ عَبِيدٍ أَوْ بَهَائِمَ وَثِيَابٍ مِنْ جِنْسٍ)؛ أَيْ: نَوْعٍ وَاحِدٍ كَأَنْ تَكُونَ الْعَبِيدُ كُلُّهُمْ نُوبَةً أَوْ حَبَشًا وَنَحْوَهُ، وَالْبَهَائِمُ كُلُّهَا إبِلًا أَوْ بَقَرًا وَنَحْوَهُ، وَالثِّيَابُ كُلُّهَا مِنْ كَتَّانٍ وَنَحْوِهِ، وَالْأَوَانِي كُلُّهَا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ زُجَاجٍ وَنَحْوِهِ (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا (قَسْمَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ بِأَنْ تُعَدَّلَ بِهَا) وَأَبَى شَرِيكُهُ (أُجْبِرَ مُمْتَنِعٌ إنْ تَسَاوَتْ الْقِيَمُ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» وَهَذِهِ قِسْمَةٌ لَهُمْ وَلِأَنَّهَا أَعْيَانٌ أَمْكَنَ قِسْمَتُهَا بِلَا ضَرُورَةٍ وَلَا رَدِّ عِوَضٍ؛ أَشْبَهَتْ الْأَرْضَ (وَإِلَّا) تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً (فَلَا، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُ الثِّيَابِ قُطْنًا وَبَعْضُهَا كَتَّانًا وَنَحْوَهُ. (وَلَوْ أَوْصَى إنْسَانٌ بِخَاتَمِهِ لِشَخْصٍ، وَأَوْصَى لِآخَرَ بِفَصِّهِ فَأَيُّهُمَا طَلَبَ قَلْعَ الْفَصِّ أُجِيبَ، وَأُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ، وَآجُرٌّ) مُبْتَدَأٌ وَهُوَ اللَّبِنُ الْمَشْوِيُّ (لَبِنٌ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ غَيْرُ الْمَشْوِيِّ (مُتَسَاوِي الْقَوَالِبِ) كُبْرًا وَصِغَرًا (مِنْ قِسْمَةِ الْأَجْزَاءِ) خَيْرٌ لِلتَّسَاوِي فِي الْقَدْرِ (وَ) آجُرٌّ وَلَبِنٌ (مُتَفَاوِتُهَا)؛ أَيْ: الْقَوَالِبِ (مِنْ قِسْمَةِ التَّعْدِيلِ) بِالْقِيمَةِ (وَمَنْ بَيْنَهُمَا حَائِطٌ أَوْ بَيْنَهُمَا عَرْصَةُ حَائِطٍ وَهِيَ الَّتِي) كَانَ بِهَا حَائِطٌ وَصَارَتْ (لَا بِنَاءَ فِيهَا، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (قَسْمُهُ)؛ أَيْ: الْحَائِطِ أَوْ عَرْصَتِهِ، وَلَوْ طَلَبَ الْقَسْمَ (طُولًا فِي كَمَالِ الْعَرْضِ) بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْحَائِطِ قِطْعَةٌ مِنْ أَسْفَلِهَا، إلَى أَعْلَاهَا فِي كَمَالِ عَرْضِ الْحَائِطِ، وَأَبَى شَرِيكُهُ الْقِسْمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرْ، أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ (الْعَرْضِ عَرْضًا، وَلَوْ وَسِعَتْ حَائِطَيْنِ) وَأَبَى شَرِيكُهُ (لَمْ يُجْبَرْ مُمْتَنِعٌ) لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَائِطُ مَبْنِيًّا لَمْ يُمْكِنْ قَسْمُهُ عَرْضًا فِي كَمَالِ طُولِهِ بِدُونِ نَقْصِهِ لِيَنْفَصِلَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِجْبَارُ عَلَيْهِ، وَلَا طُولًا فِي تَمَامِ الْعَرْضِ لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ الْحَائِطِ يُنْتَفَعُ بِهَا عَلَى حِدَتِهَا، وَالنَّفْعُ فِيهَا مُخْتَلِفٌ؛ فَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى تَرْكِ انْتِفَاعِهِ بِمَكَانِ الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ؛ فَإِنَّ الِانْتِفَاعَ بِجَمِيعِهَا عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَبْنِيٍّ فَهُوَ يُرَادُ لِذَلِكَ كَالْمُبَيَّنِ (كَمَنْ بَيْنَهُمَا دَارٌ بِهَا عُلُوٌّ وَسُفْلٌ، فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَيْنِ (جَعْلَ السُّفْلِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجَعْلَ الْعُلُوِّ لِآخَرَ) وَامْتَنَعَ شَرِيكُهُ؛ فَلَا إجْبَارَ؛ لِاخْتِلَافِ السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ فِي الِانْتِفَاعِ وَالِاسْمِ، وَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا لِوَاحِدٍ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا فَلَا شُفْعَةَ لِلْآخَرِ، كَدَارَيْنِ مُتَلَاصِقَيْنِ مُشْتَرَكَيْنِ طَلَبَ أَحَدُهُمَا جَعْلَ كُلِّ دَارٍ لِوَاحِدٍ، وَأَبَى الْآخَرُ، وَلِأَنَّهُ نَقَلَ حَقَّهُ مِنْ عَيْنٍ إلَى أُخْرَى بِغَيْرِ رِضَى شَرِيكِهِ، أَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا (قَسْمَ سُفْلٍ لَا) قَسْمَ (عُلُوٍّ أَوْ عَكْسَهُ) بِأَنْ طَلَبَ قَسْمَ عُلُوٍّ لَا سُفْلٍ أَوْ طَلَبَ قَسْمَ (كُلِّ وَاحِدَةٍ) مِنْ الْعُلُوِّ وَالسُّفْلِ (عَلَى حِدَةٍ) وَأَبَى الْآخَرُ؛ فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِنْ طَلَبَ) أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ (قَسْمَهُمَا)؛ أَيْ: السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ (مَعًا، وَلَا ضَرَرَ) وَلَا رَدَّ عِوَضٍ (وَجَبَ) الْقَسْمُ، وَأُجْبِرَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ (وَعُدِّلَ) الْقَسْمُ فِي ذَلِكَ (بِالْقِيمَةِ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، وَلَا يُجْعَلُ ذِرَاعُ سُفْلٍ بِذِرَاعِ عُلُوٍّ وَعَكْسِهِ وَ(لَا ذِرَاعٌ) مِنْ سُفْلٍ (بِذِرَاعٍ) مِنْ عُلُوٍّ إلَّا بِتَرَاضِيهِمَا. (وَلَا إجْبَارَ فِي قِسْمَةِ الْمَنَافِعِ) بِأَنْ يَنْتَفِعَ أَحَدُهُمَا بِمَكَانٍ وَالْآخَرُ بِآخَرَ، أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ شَهْرًا وَنَحْوَهُ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعُ كَالْبَيْعِ، وَلِأَنَّ الْقِسْمَةَ بِالزَّمَانِ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا تَسْوِيَةَ؛ لِتَأَخُّرِ حَقِّ الْآخَرِ (وَإِنْ اقْتَسَمَاهَا)؛ أَيْ: الْمَنَافِعَ (بِزَمَانٍ أَوْ مَكَان صَحَّ ذَلِكَ جَائِزًا) غَيْرَ لَازِمٍ، سَوَاءٌ عَيَّنَ مُدَّةً أَوْ لَا كَالْعَارِيَّةِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ (فَلَوْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ اسْتِيفَاءِ نَوْبَتِهِ؛ غَرِمَ مَا انْفَرَدَ بِهِ)؛ أَيْ: أُجْرَةَ مِثْلِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مُدَّةَ انْتِفَاعِهِ (وَنَفَقَةُ الْحَيَوَانِ) إذَا تَهَايَأَهُ الشَّرِيكَانِ (مُدَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: زَمَنَ نَوْبَتِهِ فِي الْمُهَايَأَةِ عَلَيْهِ، لِتَرَاضِيهِمَا بِالْمُهَايَأَةِ، فَإِذَا تَهَايَآ عَبْدًا أَوْ نَحْوَهُ اخْتَصَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِمَنْفَعَتِهِ وَكَسْبِهِ فِي مُدَّتِهِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الْقَسِيمَةِ، لَكِنْ لَا يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ الْكَسْبُ النَّادِرُ فِي وَجْهٍ كَاللُّقَطَةِ وَالْهِبَةِ وَالرِّكَازِ إذَا وَجَدَهُ الْعَبْدُ؛ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ مَنْ هُوَ فِي نَوْبَتِهِ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ نَفَقَةُ إصْلَاحِ (الْعَقَارِ) فِي مُدَّةِ الْمُهَايَأَةِ عَلَى مُسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةِ إذْ ذَاكَ، بَلْ تَكُونُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَّجِهُ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْحَيَوَانُ) الْمُتَهَايَأُ عَلَيْهِ (يَضْمَنُ)؛ أَيْ: يَضْمَنُهُ مَنْ تَلِفَ تَحْتَ يَدِهِ فِي مُدَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْعَارِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، وَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا فِي صُوَرٍ مَذْكُورَةٍ كَذَا قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْإِقْنَاعِ قُلْتُ: فَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيه شَرِيكُهُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَةِ لَا الْعَارِيَّةِ انْتَهَى.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ تَهَايَآ فِي الْحَيَوَانِ اللَّبُونِ لِيَحْتَلِبَ هَذَا يَوْمًا وَهَذَا يَوْمًا؛ لَمْ يَصِحَّ، أَوْ تَهَايَآ فِي الشَّجَرَةِ الْمُثْمِرَةِ لِتَكُونَ ثَمَرَتُهَا لِهَذَا عَامًا وَلِهَذَا عَامًا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ الظَّاهِرِ، لَكِنَّ طَرِيقَهُ أَنْ يُبِيحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ لِصَاحِبِهِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَكُونُ بِيَدِهِ، وَيَكُونُ مِنْ بَابِ الْمِنْحَةِ وَالْإِبَاحَةِ لَا الْقِسْمَةِ. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَتَهَا دُونَ زَرْعٍ) وَأَبَى الْآخَرُ؛ أُجْبِرَ، وَ(قُسِّمَتْ كَخَالِيَةٍ) مِنْ الزَّرْعِ؛ إذْ الزَّرْعُ فِيهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الزَّرْعُ بَذْرًا أَوْ قَصِيلًا أَوْ مُشْتَدَّ الْحَبِّ، وَإِنْ طَلَبَ الْأَرْضَ (مَعَهُ) أَيْ: الزَّرْعِ، أَوْ طَلَبَ قَسْمَ (الزَّرْعِ دُونَهَا)؛ أَيْ: الْأَرْضِ (لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الزَّرْعَ مُودَعٌ فِي الْأَرْضِ لِلنَّقْلِ عَنْهَا؛ فَلَا يُقْسَمُ مَعَهَا كَالْقُمَاشِ فِي الدَّارِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَعْدِيلَ الزَّرْعِ فِي السِّهَامِ غَيْرُ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّ مِنْهُ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ، فَإِذَا أُرِيدَتْ قِسْمَتُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ جَعْلِ الْكَثِيرِ مِنْ الرَّدِيءِ فِي مُقَابِلَةِ الْقَلِيلِ مِنْ الْجَيِّدِ، فَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَنْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ بِأَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ؛ لِوُجُوبِ بَقَاءِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ إلَى حَصَادِهِ (فَإِنْ تَرَاضَيَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكَانِ (عَلَى أَحَدِهِمَا؛ أَيْ: قَسْمِ الزَّرْعِ مَعَ الْأَرْضِ أَوْ قَسْمِهِ هُوَ)؛ أَيْ: الزَّرْعِ (فَقَطْ، وَهُوَ) قَصِيلٌ (أَخْضَرُ) لَمْ يَشْتَدَّ حَبُّهُ، أَوْ كَانَ الزَّرْعُ قُطْنًا جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا وَلَا مَحْذُورَ، لِجَوَازِ التَّفَاضُلِ إذَنْ وَالْمُرَادُ بِالْقُطْنِ إذَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَالٍ يَكُونُ فِيهَا مَوْزُونًا، وَإِلَّا فَكَالْحَبِّ الْمُشْتَدِّ (وَإِنْ كَانَ) الزَّرْعُ (بَذْرًا أَوْ سُنْبُلًا مُشْتَدًّا بِحَبٍّ فَلَا) يَجُوزُ لَهُمَا ذَلِكَ (لِلرِّبَا) الْحَاصِلِ فِي بَيْعِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ حَبٍّ بِحَبٍّ مِنْ جِنْسِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِالتَّسَاوِي، وَهُوَ كَالْعِلْمِ بِالتَّفَاضُلِ: (وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا)؛ أَيْ الشَّرِيكَيْنِ (نَهْرٌ أَوْ قَنَاةٌ أَوْ عَيْنٌ فَالنَّفَقَةُ) عَلَى ذَلِكَ (لِحَاجَةٍ) إلَيْهَا (بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) الْحُكْمُ فِي اشْتَرَاك اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي اسْتِخْرَاجِ مَاءٍ فَعَمِلَا أَوْ عَمِلُوا فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ خَرَجَ (الْمَاءُ) فَهُوَ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوِيَّةِ؛ لِاقْتِضَاءِ الشَّرِكَةِ ذَلِكَ (فَإِنْ عَمِلَ الْبَعْضُ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ (أَوْ أَنْفَقَ) فِي الِاسْتِخْرَاجِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِ، (وَ) كَانَ قَدْ (شَرَطَ) لَهُ شَرِيكُهُ أَوْ شُرَكَاؤُهُ (كَثْرَةَ مَاءٍ) (ف) الشَّرْطُ صَحِيحٌ لَازِمٌ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ يُخْرَجُ بَيْنَهُمَا أَوْ بَيْنَهُمْ (عَلَى مَا شَرَطَا) أَوْ شَرَطُوا (عِنْدَ الِاسْتِخْرَاجِ)؛ أَيْ: اسْتِخْرَاجِ الْمَاءِ؛ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» وَلِأَنَّهُ تَمَلُّكٌ مُبَاحٌ، فَيُتَّبَعُ فِيهِ الشَّرْطُ كَالِاشْتِرَاطِ فِي الِاصْطِيَادِ وَالِاحْتِشَاشِ، وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ وَالنَّفَقَةُ سَوَاءً لَمْ يَصِحَّ شَرْطُ التَّفَاضُلِ بِالْمَاءِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَلَهَا قِسْمَتُهُ)؛ أَيْ: الْمَاءِ (بِمُهَايَأَةٍ بِزَمَنٍ) كَشَهْرٍ لِلتَّسَاوِي غَالِبًا فِي الْعَادَةِ، أَوْ قِسْمَتُهُ (بِنَصْبِ خَشَبَةٍ أَوْ نَصْبِ حَجَرٍ مُسْتَوْفِي مُصْطَدَمِ الْمَاءِ فِيهِ) أَيْ: الْمَنْصُوبِ (ثُقْبَانِ بِقَدْرِ حَقَّيْهِمَا) لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا كَقَسْمِ الْأَرَاضِي بِالتَّعْدِيلِ، وَلِكُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (سَقْيُ أَرْضٍ لَا شِرْبٌ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ؛ أَيْ: نَصِيبٌ مِنْ الْمَاءِ (لَهَا مِنْهُ بِنَصِيبِهِ) لِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَفْعَلُ بِهِ مَا يَشَاءُ. النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ نَوْعَيْ الْقِسْمَةِ (قِسْمَةُ إجْبَارٍ، وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فِيهَا) عَلَى أَحَدِ الشُّرَكَاءِ (وَلَا رَدَّ عِوَضٍ) مِنْ وَاحِدٍ عَلَى غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِإِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا إذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهُ (فَيُجْبَرُ شَرِيكٌ أَوْ وَلِيُّهُ) إنْ كَانَ الشَّرِيكُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ وَلِيُّهُ حَاكِمَا بِطَلَبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ أَوْ وَلِيِّهِ (وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ مِنْهُمَا)؛ أَيْ: الشَّرِيكِ وَوَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ، فَجَازَ الْحُكْمُ بِهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ (بِطَلَبِ شَرِيكٍ أَوْ وَلِيِّهِ) إنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ (قَسْمَ مُشْتَرَكٍ) مَفْعُولُ طَلَبَ (مِنْ مَكِيلِ جِنْسٍ) كَحُبُوبٍ وَمَائِعٍ وَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَلَوْزٍ وَفُسْتُقٍ وَبُنْدُقٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنْ الثِّمَارِ، وَكَذَا أُشْنَانُ وَنَحْوُهُ (أَوْ مَوْزُونِهِ)؛ أَيْ: الْجِنْسِ كَذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَنُحَاسٍ وَرَصَاصٍ وَنَحْوِهِ (وَلَبَنٍ وَخَلِّ عِنَبٍ وَمِنْ قَرْيَةٍ وَدَارٍ كَبِيرَةٍ وَدُكَّانٍ وَأَرْضٍ وَاسِعَتَيْنِ وَبَسَاتِينَ وَلَوْ لَمْ تَتَسَاوَ أَجْزَاؤُهَا إذَا أَمْكَنَ قَسْمُهَا بِالتَّعْدِيلِ بِأَنْ لَا يُجْعَلَ مَعَهَا شَيْءٌ) وَيُشْتَرَطُ لِإِجْبَارِ الْحَاكِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: ثُبُوتُ مِلْكِ الشُّرَكَاءِ، وَيَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَثُبُوتُ أَنْ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَثُبُوتُ إمْكَانِ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْمَقْسُومِ بِلَا شَيْءٍ يُجْعَلُ مَعَهَا، وَإِلَّا فَلَا إجْبَارَ لِمَا تَقَدَّمَ. وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أُجْبِرَ الْمُمْتَنِعُ لِتَضَمُّنِهَا إزَالَةَ ضَرَرِ الشَّرِيكِ وَحُصُولَ النَّفْعِ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ لِأَنَّ نَصِيبَ كُلٍّ مِنْهُمَا إذَا تَمَيَّزَ كَانَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ، وَأَنْ يَغْرِسَ وَيَسْقِيَ وَيَجْعَلَ سَاقِيَةً، وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الِاشْتِرَاكِ. (وَمَنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ إلَى قَسْمِ شَجَرِهِ فَقَطْ)؛ أَيْ: دُونَ أَرْضِهِ (لَمْ يُجْبَرْ) شَرِيكُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الشَّجَرَ الْمَغْرُوسَ تَابِعٌ لِأَرْضِهِ غَيْرُ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلِهَذَا لَا تَثْبُتُ فِيهِ شُفْعَةٌ إذَا بِيعَ بِدُونِ أَرْضِهِ، وَإِنْ دَعَا شَرِيكَهُ فِي بُسْتَانٍ (إلَى قَسْمِ أَرْضِهِ أُجْبِرَ، وَدَخَلَ شَجَرٌ) فِي الْقِسْمَةِ (لَا زَرْعٌ تَبَعًا) لِلْأَرْضِ كَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ. (وَمَنْ بَيْنَهُمَا أَرْضٌ فِي بَعْضِهَا نَخْلٌ وَفِي بَعْضِهَا شَجَرٌ غَيْرُهُ)؛ أَيْ: النَّخْلِ كَالْمِشْمِشِ وَالْجَوْزِ أَوْ بَعْضُهَا (يَشْرَبُ سَيْحًا وَبَعْضُهَا) يَشْرَبُ بَعْلًا، وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ، وَطَلَبَ الْآخَرُ قِسْمَتَهَا أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ (قُدِّمَ مَنْ يَطْلُبُ قِسْمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ إنْ أَمْكَنَتْ تَسْوِيَةٌ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ) لِأَنَّهُ قَرُبَ إلَى التَّعْدِيلِ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الْجَمِيعِ (وَإِلَّا) يُمْكِنْ التَّسْوِيَةُ فِي جَيِّدِهِ وَرَدِيئِهِ (قُسِّمَتْ أَعْيَانًا بِالْقِيمَةِ إنْ أَمْكَنَ التَّعْدِيلُ) بِالْقِيمَةِ، وَإِلَّا يُمْكِنْ التَّعْدِيلُ بِهَا (فَأَبَى أَحَدُهُمَا) الْقِسْمَةَ؛ لَمْ يُجْبَرْ؛ لِعَدَمِ إمْكَانِ تَعْدِيلِ السِّهَامِ الَّذِي هُوَ شَرْطُهَا (وَهَذَا النَّوْعُ)؛ أَيْ: قِسْمَةُ الْإِجْبَارِ إفْرَازُ حَقِّ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، يُقَالُ فَرَزْت الشَّيْءَ وَأَفْرَزْته إذَا عَزَلْته مِنْ الْفِرْزَةِ، وَهِيَ الْقِطْعَةُ، فَكَأَنَّ الْإِفْرَازَ اقْتِطَاعُ حَقِّ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا، لِأَنَّهَا تُخَالِفُهُ فِي الْأَحْكَامِ وَالْأَسْبَابِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَوْ كَانَتْ بَيْعًا لَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ رِضَى الشَّرِيكَيْنِ، وَلَوَجَبَتْ فِيهَا الشُّفْعَةُ، وَلَمَا لَزِمَتْ بِالْقُرْعَةِ. (فَيَصِحُّ قَسْمُ لَحْمِ هَدْيٍ، وَلَحْمِ أَضَاحِيَّ، وَقَسْمُ مَكِيلٍ وَزْنًا) وَعَكْسُهُ كَقَسْمِ مَوْزُونٍ كَيْلًا (وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ بِالْمَجْلِسِ) مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَا يَصِحُّ قَسْمُ (رَطْبٍ مِنْ شَيْءٍ) رِبَوِيٍّ بِيَابِسِهِ كَأَنْ يَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ قَفِيزٌ رُطَبًا وَقَفِيزٌ تَمْرًا، وَرَطْلُ لَحْمٍ نِيءٍ وَرَطْلُ لَحْمٍ مَشْوِيٍّ؛ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ أَوْ اللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْآخَرُ الرُّطَبَ أَوْ اللَّحْمَ النِّيءَ، لِوُجُودِ الرِّبَا الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ أَحَدِهِمَا تَقَعُ بَدَلًا عَنْ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ الْآخَرِ، فَيَفُوتُ التَّسَاوِي الْمُعْتَبَرُ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ. وَيَصِحُّ قَسْمُ (مُثْمِرٍ يُخْرَصُ) مِنْ تَمْرٍ وَعِنَبٍ وَزَبِيبٍ وَرُطَبٍ (خَرْصًا وَقَسْمُ مَرْهُونٍ) فَلَوْ رَهَنَ شَرِيكٌ سَهْمًا مَشَاعًا ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ صَحَّ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَاخْتَصَّ قَسْمُهُ بِالرَّهْنِ وَيَصِحُّ قَسْمُ (مَوْقُوفٍ) وَ(لَوْ) كَانَ مَوْثُوقًا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ؛ أَيْ: الْأَصْحَابِ. لَا فَرْقَ؛ أَيْ: بَيْنَ كَوْنِ الْوَقْفِ أَظْهَرَ وَفِي الْمُبْهِجِ لُزُومُهَا إذَا اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ، وَكَذَا إنْ تَهَايَئُوا (خِلَافًا لَهُ)؛ أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ قَالَ: فَأَمَّا عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تُقْسَمُ عَيْنُهُ قِسْمَةً لَازِمَةً اتِّفَاقًا؛ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ، لَكِنْ تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ وَهِيَ قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ انْتَهَى.
وَمَا قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَجْهٌ لِلْأَصْحَابِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَنْهُمْ، وَاخْتَارَهُ، وَإِنَّمَا تَصِحُّ قِسْمَةُ الْوَقْفِ إذَا كَانَ عَلَى جِهَةٍ فَأَكْثَرَ (بِلَا رَدِّ) عِوَضٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ لِأَنَّ الْعِوَضَ إنَّمَا يَرُدُّهُ مَنْ يَكُونُ نَصِيبُهُ فِي مُقَابَلَةِ الزَّائِدِ؛ فَهُوَ اعْتِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْوَقْفِ كَبَيْعِهِ.
(وَ) يَصِحُّ قَسْمُ (مَا)؛ أَيْ: مَكَانُ (بَعْضُهُ وَقْفٌ) وَبَعْضُهُ طِلْقٌ (بِلَا رَدِّ عِوَضٍ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ، وَهُوَ لُغَةً الْحَلَالُ، وَسُمِّيَ الْمَمْلُوكُ طِلْقًا لِحِلِّ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَرَهْنٍ وَغَيْرِهَا، بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مِنْ رَبِّ الطِّلْقِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُ بِبَذْلِهِ لِأَخْذِ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ الْوَقْفِ، وَبَيْعُهُ غَيْرُ جَائِزٍ (وَتَصِحُّ الْقِسْمَةُ إنْ تَرَاضَيَا)؛ أَيْ: الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَرَبُّ الطِّلْقِ (بِرَدٍّ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ) لِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بَعْضَ الطِّلْقِ، وَبَيْعُهُ جَائِزٌ (وَلَا يَحْنَثُ بِهَا)؛ أَيْ: قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ (مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ) لِأَنَّهَا إفْرَازٌ لَا بَيْعٌ (وَمَتَى ظَهَرَ فِيهَا)؛ أَيْ: قِسْمَةِ الْإِجْبَارِ (غَبَنٌ فَاحِشٌ) بَطَلَتْ؛ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْإِفْرَازِ. (وَلَا شُفْعَةَ فِي نَوْعَيْهَا)؛ أَيْ: قِسْمَةِ التَّرَاضِي وَقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ ثَبَتَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَثَبَتَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ؛ فَيَتَنَافَيَانِ (وَيَفْسَخَانِ بِعَيْبٍ) ظَهَرَ فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا (وَيَصِحُّ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ (أَنْ يَتَقَاسَمَا بِأَنْفُسِهِمَا، وَأَنْ يُنَصِّبَا قَاسِمًا) بِأَنْفُسِهِمَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعُدُّوهُمَا، وَلَهُمَا (أَنْ يَسْأَلَا حَاكِمًا نَصْبَهُ) أَيْ: الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يَصْلُحُ لِلْقِسْمَةِ وَإِذَا سَأَلُوهُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ إجَابَتُهُمْ لِقَطْعِ النِّزَاعِ. (وَيُشْتَرَطُ إسْلَامُهُ)؛ أَيْ: الْقَاسِمِ إذَا نَصَبَهُ حَاكِمٌ، (وَ): يُشْتَرَطُ (عَدَالَتُهُ) لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِي الْقِسْمَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِهَا؛ أَيْ: بِالْقِسْمَةِ لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ لَا يُمْكِنُهُ تَعْدِيلُ السِّهَامِ، لَا حُرِّيَّتُهُ فَتَصِحُّ مِنْ عَبْدٍ (زَادَ الْمُوَفَّقُ) وَالشَّارِحُ وَالزَّرْكَشِيُّ (عَارِفٌ بِالْحِسَابِ) لِأَنَّهَا كَالْخَطِّ لِلْكِتَابِ (فَلَا تَلْزَمُ قِسْمَةُ نَحْوِ كَافِرٍ) كَفَاسِقٍ وَجَاهِلٍ بِالْقِسْمَةِ (إلَّا بِرِضَاهُمْ) بِهَا كَمَا لَوْ اقْتَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ (وَيَتَحَرَّى الْقَاسِمُ الْعَدْلَ)؛ أَيْ: يُعَدِّلُ السِّهَامَ بِالْأَجْزَاءِ إنْ تَسَاوَتْ كَالْمَائِعَاتِ وَالْمَكِيلَاتِ مِنْ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ، وَكَالْأَرْضِ الْمُتَسَاوِيَةِ جُودَةً أَوْ رَدَاءَةً (قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مَنْ قَسَّمَ شَيْئًا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَحَرَّى الْعَدْلَ. وَيَتَّبِعَ مَا هُوَ أَرْضَى لِلَّهِ وَرَسُولِهِ) وَلَا يُحَابِي وَلَا يُدَاهِنُ، وَيَكْفِي قَاسِمٌ وَاحِدٌ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ كَالْحَاكِمِ وَلَا يَكْفِي وَاحِدٌ مَعَ (تَقْوِيمٍ) فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى تَقْوِيمٍ فَلَا يَكْفِي التَّقْوِيمُ إلَّا بِقَاسِمَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ، فَاعْتُبِرَ النِّصَابُ كَبَاقِي الشَّهَادَاتِ. (وَتُبَاحُ أُجْرَتُهُ)؛ أَيْ: إعْطَاؤُهَا وَأَخْذُهَا؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ عَمَلٍ لَا يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ (وَتُسَمَّى) أُجْرَةَ الْقَاسِمِ (الْقُسَامَةُ بِضَمِّ الْقَافِ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ: «إيَّاكُمْ وَالْقُسَامَةَ قِيلَ وَمَا الْقُسَامَةُ؟ قَالَ: الشَّيْءُ يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنْقَصُ مِنْهُ» رَوَاه أَبُو دَاوُد قَالَ الْخَطَّابِيِّ: وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِيمَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ، وَكَانَ عَرِيفًا لَهُمْ أَوْ نَقِيبًا لَهُمْ، فَإِذَا قَسَّمَ بَيْنَهُمْ سِهَامَهُمْ أَمْسَكَ مِنْهَا شَيْئًا لِنَفْسِهِ لِيَسْتَأْثِرَ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ ذَكَرَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا نَحْوَهُ.
قَالَ فِيهِ الرَّجُلُ عَلَى الْقِيَامِ مِنْ النَّاسِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَظِّ هَذَا وَمِنْ حَظِّ هَذَا. الْقِيَامُ: الْجَمَاعَاتُ (وَهِيَ)؛ أَيْ: أُجْرَةُ قَاسِمٍ عَلَى الشُّرَكَاءِ (بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ) نَصًّا.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَلَوْ شَرَطَ خِلَافَهُ) فَالشَّرْطُ لَاغٍ، وَالْأُجْرَةُ عَلَى الْجَمِيعِ سَوَاءٌ طَلَبُوا الْقِسْمَةَ أَوْ طَلَبَهَا أَحَدُهُمْ، وَفِي الْإِقْنَاعِ مَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ.
قَالَ فِي شَرْحِهِ: فَيُتَّبَعُ عَلَى مَا فِي الْكَافِي وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بِاسْتِئْجَارِ) قَاسِمٍ؛ لِأَنَّ أُجْرَتَهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ كُلِّهِمْ عَلَى قَدْرِ أَمْلَاكِهِمْ (وَكَقَاسِمٍ فِي وُجُوبِ الْأُجْرَةِ حَافِظٍ وَشَاهِدٍ يُقَسِّمُ الْبِلَادَ وَنَحْوِهِ) كَوَكِيلٍ وَأَمِينٍ لِحِفْظِ الزَّرْعِ الَّذِي يُؤْخَذُ خَرَاجُهُ عَلَى مَالِكٍ وَفَلَّاحٍ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَعْنِي بِقَدْرِ الْأَمْلَاكِ كَأُجْرَةِ الْقَاسِمِ، وَقَالَ إذَا مَا نَهِمَ الْفَلَّاحُ بِقَدْرِ مَا عَلَيْهِ لَهُمْ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ الضَّيْفُ قَالَ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ إلَّا قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَالزِّيَادَةُ يَأْخُذُهَا الْمُقَطِّعُ، فَالْمُقَطِّعُ هُوَ الَّذِي ظَلَمَ الْفَلَّاحِينَ (وَمَتَى لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ حَاكِمٍ أَنَّهُ) أَيْ: مَا تُرَادُ قِسْمَتُهُ (لَهُمْ)؛ أَيْ: لِمُرِيدِي قِسْمَتِهِ (قَسَّمَهُ جَوَازًا) بِتَرَاضِيهِمْ لِإِقْرَارِهِمْ، وَالْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهَا، وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ ظَاهِرًا وَالْقَضَاءُ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ لَا عَلَى غَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي (وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ أَنَّهَا)؛ أَيْ: الْقِسْمَةَ (بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُمْ مِلْكَهُ)؛ أَيْ: الْمَقْسُومِ؛ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ مِنْ بَعْدِهِ صُدُورَ الْقِسْمَةِ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِمْ فَيُؤَدِّيَ إلَى ضَرَرِ مَنْ يَدَّعِي فِي الْعَيْنِ حَقًّا، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى طَلَبِ الْقِسْمَةِ لَمْ يَقْسِمْهُ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَلَا إجْبَارَ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُ حَكَمَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْ الشُّرَكَاءِ؛ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمِلْكُ لِخَصْمِهِ، بِخِلَافِ حَالَةِ الرِّضَى.